مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 8/12/2021 12:40:00 م

 ساعة من دون عقارب، داخل أجسامنا !!

- الجزء الأول - 

ساعة من دون عقارب، داخل أجسامنا !!

 ساعة من دون عقارب، داخل أجسامنا !! 



يُعتبَر جسم الإنسان من أكثر الآلآت تعقيداً على وجه الأرض، فكمّية التنظيم والتناسق الّتي يعمل بها، يصعب علينا-كبشر- فهمها بشكل واضح.


سابقاً كان جسم الإنسان مجهولاً تماماً بالنّسبة للعلماء

 ومع مرور الوقت، أصبح الاهتمام مُوجَّهاً لاكتشاف خبايا هذا العالم الصّغير الغامض، فأصبحت تزداد الدِّراسات والأبحاث المتخصِّصة بهذا الأمر، 

إلى أن وصلنا في - يومنا هذا - لمعرفةٍ شبه مُرضية، لمعرفةٍ تُساعِدُنا على فهم بعض الآليات الطبيعيّة الّتي تحدُث في أجسامنا على مدار اليوم،

 لمعرفة تشريحيِّة جيّدة بالأعضاء الّتي تسكُن أجسادنا، وما الهدف من وجودها، وبماذا تُساعِدنا،

 لمعرفة تمنح الكثير من الأشخاص فرصة للعيش بسلام من جديد، والتَّخلُّص من أوجاعهم وآلآمهم الّتي سببها الأساسي شذوذ في سير آلية عمل جهاز ما في أجسامنا، وأحيانا تكون الفرصة على شكل العودة للحياة من جديد، أي إنقاذهم من الموت.


ومع كل خطوة يخطيها العلماء في هذا المجال، يصابون بالدَّهشة عندما يشاهدون كمّية التنظيم العالي الّتي لا حدود لها، ومدى التّناسق في عمل أجهزة الجسم، يعملون كأنَّهم جهاز واحد لا وجود لفوارق تشريحيِّة وفيزيولوجية فيما بينهم، 

كيف لا وهذا الجسم هو معجزة الله الخالق، الّذي وصف هذه المعجزة بوصف (أحسن تقويم)،  بالفعل لا يوجد ما يُضاهِي هذا التقويم في الحسن، الدّقة، الجمال، والكفاءة العالية.


سنتناول - في مقالنا هذا- الحديث عن أهم مكتشفات علم الطب الحديث، وهي السَّاعة البيولوجيّة،

 سنذكر تفاصيل عنها، ما هي؟

 كيف تعمل؟ 

 وكيفَ تؤثِّر على سير حياتنا اليوميّة.؟


آليات عمل يوميّة لكن ما السَّبب وراءها؟! 


هل تساءلت يوماً عن السبب الّذي يدفع بكَ للنَّوم في ميعاد محدَّد والاستيقاظ في وقت محدَّد؟

هل تساءلت يوماً عن السبب الكامن وراء امتلاكك لنشاط وطاقة في أوقات معيَّنة من اليوم؟

 وأوقات أُخرى تشعر فيها بالكسل والرَّغبة في الرَّاحة؟

هل تساءلت يوماً عن سبب شعورك بالجوع في أوقات معيَّنة من اليوم، وأوقات أُخرى تشعر فيها بالشَّبع؟


كثيرَةٌ هي الأسئلة الّتي تدور في رأسنا من هذا النَّمط، وبالفعل هي أسئلة منطقية، لأن ارتباط شعور معيّن بوقتٍ مُعيّن لا يأتي عن عبث، 

 يدٌ خفيّة مسؤولة عن هذا التنظيم العالي.


وبالفعل يوجد في جسم الإنسان ساعة أو جهاز مسؤول عن عملية التنطيم هذه، 

فيخبرك متى تنام؟

 متى تستيقظ؟

 متى تأكل؟ 

متى تشبع؟ 

متى تكون نشيطاً؟

ومتى تكون مُتعباً؟.

 تنظيم كل هذهِ النّشاطات اليوميّة مسؤول عنها جهاز في الجسم يُدعى


( السَّاعة البيولوجيّة).

جرّب أن تنام في يومٍ ما من دون أن تقوم بضبط المنبّه على ساعة استيقاظك المعتادة، ستلاحظ أنَّك استيقظت في نفس التوقيت من دون أي عامل مساعد خارجي، 

نعم صديقي لأن العامل المساعد الدّاخلي أو السّاعة البيولوجية هي من قامت بإيقاظك عبر آلية معيّنة سنتكلّم عنها في فقرة لاحقة.


العالم SIFFRE والساعة البيولوجية :


عام ألف وتسعمئة واثنان وستون قام عالم يدعى MICHEL SIFFRE بإجراء تجربة توصف بأنَّها عبقرية وجميلة. 


حيث قام العالم MICHEL SIFFRE بإجراء تجربة مختلفة عن  باقي العلماء، حيثُ لم يقم بإجراء الدّراسة والتّجارب على الفئران وغيرها من الحيوانات، وإنَّما قام بذلك على نفسه. 


حيثُ قام العالم بعزل نفسه لعدّة شهور داخل كهف في أعالي الجبال، طبعاً لم يقم بأخذ ساعة، ضوء، وغيرها من مستلزمات نستعملها في حياتنا اليوميّة، 

فقط قام بأخذ مجموعة من الأجهزة موصولة على دماغه، مهمّتها تسجيل النّشاط الكهربائي لدماغه، وتحديد مواعيد استيقاظك، مواعيد نومه، مواعيد تناول الطّعام، وغيرها من الأنشطة اليوميّة الدّاخلة في الدّراسة. 


انتهت الفترة المحدّدة للتجربة ، خرجَ العالم MICHEL من الكهف ليعاين نتائج التجربة، وجدَ أنَّ جسمهُ يمشي في دورة منتظمة، حيثُ أنَّهُ يستيقظ، وينام، ويأكل في أوقات محدّدة من كل يوم، بالرُّغم من عدم اصطحابه لأي عامل مساعد يعرف بها ما الوقت أو أي عامل مساعد ينظّم له هذه الأفعال. 


هذه التّجربة تعدُّ دليل قوي يؤكّد وجود ساعة داخل أجسامنا، لكن هذهِ السّاعة تعمل من غير عقارب (كما هو الحال في ساعة الحائط)، وإنَّما هي مجموعة من الخلايا العصبيّة تكوّن ما يُعرف بالسّاعة البيولوجيّة تُكتب كمصطلح آخر على الشكل التّالي

 CIRCADIAN RHYTHM

 وهي كلمة لاتينيّة الأصل بمعنى (على مدار اليوم). 

ماعملها؟...

سُمّيت بالسّاعة البيولوجيّة لأنّها تتحكم بأوقات النّوم الخاصّة بك، وأوقات اليقظة أيضاً، بالإضافة لأوقات الأكل وغيرها، حتّى أنَّها تتحكّم بدرجة حرارتك، وبمقدار ضغط الدّم لديك، ولها القدرة على التحكُّم بأوقات نشاطك وأوقات كسلك على مدار اليوم. 


إحدى النّواحي المكتشفة حديثاً فيما يخص علاقة السّاعة البيولوجيّة بحدوث الأمراض، فقد أكّدت عدّة دراسات على أنّ السّاعة البيولوجية تتحكّم في الأوقات الّتي يحدث لك فيها عارض طبّي أو مرض ما. 


ففي دراسة أو إحصائيّة تمّت منذ فترة ليست بالبعيدة، وجدوا أن أشيع وقت تحدث فيه الأزمات القلبيّة والسّكتات الدّماغيّة هو ما بين السّاعة السادسة صباحا وحتّى السّاعة الثانية عشر ظهرا، 

وأنَّ الأزمات القلبيّة الّتي تحدث في الصّباح(ضمن الفترة المحدّدة سابقا)، تعدُّ أكثر خطورة من الأزمات القلبيّة الّتي تحدث في باقي الأوقات من اليوم، خصوصاً في المساء. 


وكل ذلك بسبب القدرة الّتي تستطيع-من خلالها- السّاعة البيولوجيّة التأثير على المرض، بالتّالي سوف تقوم بالتأثير على المواعيد المحدّدة لأخذ الدّواء، 

فنجد أن مواعيد تناول الأدوية الّتي تحمي القلب من الجلطات والسّكتات تتراوح ضمن الفترة الممتدّة بين السّاعة السادسة صباحا وحتّى السّاعة الثانية عشر ظهراً(وهو أكثر الأوقات المعرَّض فيها القلب للأزمات القلبيّة). 


وكذلك تلك الدّراسات - الخاصّة بالسّاعة البيولوجيّة-ساعدت بشكل كبير في تحديد الأوقات المناسبة لإعطاء علاجات لمرضى السّرطان. 


إلى هنا نكون قد أنهينا القسم الأول من مقال السّاعة البيولوجية، سنكمل في مقالنا اللّاحق آلية عمل هذه السّاعة، وما هي باقي النّشاطات الإضافيّة الّتي تخضع في عملها لرقابة هذهِ السّاعة.. 

" إقرأ المزيد

🩺 بقلم الدكتور علي سويدان 

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.